لاحظت الزوجة فى الأشهر الأخيرة تغيب زوجها فى العودة للمنزل على موعده المعتاد، حيث كان يخرج فى الثامنة صباحا ويعود لتناول الغداء عند الثالثة عصرا ويجلس رفقتها هى وأولاده الثلاثة حتى الرابعة، ليخرج بعدها مواصلا عمله على التوك توك الذى يمتلكه حتى التاسعة مساء.
ولكن فى الأونة الأخيرة تبدل حاله بصورة لافتة للنظر، أصبح لا يعود لتناول الطعام معهم مثلما أعتادوا ويتأخر يوميا حتى الثانية عشر مساء، عندما كانت تسأله عن سبب تبدل أحواله، كان يخبرها بضغوط العمل وحاجته لتوفير نفقات الأسرة.
لم تقتنع بما قال، ساورها الشك إنه ربما يكون قد تزوج من امرأة اخرى، صارحت والدتها بما تفكر فيه، أخبرتها تلك الأخيرة أن تقوم بمراقبته حتى تعلم أين يتغيب كل ذلك الوقت.
بعد عدة أيام وأثناء ذهاب الزوجة لعملها رأت التوك توك الخاص بزوجها متوقف بأحد الشوارع الجانبية، سألت امرأة تبيع الخضار بذلك الشارع، إذا ماكان صاحب التوك يتواجد باستمرار بهذا المكان، فاخبرتها المرأة إنه يأتي إلى هنا منذ قرابة خمسة أشهر، حدثت نفسها بأنها بالتقريب الفترة التى لاحظت عليه التغيير وغيابه المتكرر عن المنزل.
واصلت طريقها لعملها، وعقلها لا يتوقف عن التفكير، هل تواجهه بالحقيقة التى عرفتها طالبة من الطلاق بعد زواجه بأخرى .. أم تصمت وتواصل حياتها وكأنها لم تعلم بشئ ؟
ظلت طوال اليوم مشتتة الذهن، حتى عادت للبيت فى الثانية ظهرا كعادتها، أخذت تبكي بشدة، شاعرة بالظلم الذى تعرضت له من قبل زوجها، فهى تساعده براتبها فى مصروفات البيت وتقدر مكانته كزوج، وضحت كثيرا من أجله، هل يعقل أن يكون هذا هو مصيرها فى النهاية ؟
لم تتحمل كل ذلك الضغط النفسي، شعرت برغبتها فى التحدث حتى تهدأ بعض الشئ ولتطفئ ذلك البركان الذى ثار بداخلها وفاض بحممه الملتهبة بروحها وقلبها.
اتصلت بوالدتها تخبرها بما حدث، وبعد الكثير من الحديث الذى بكت خلاله كثيرا، أخبرتها والدتها أن تذهب فى نفس الموعد للمكان الذى رأته فيه بالأمس، وتداهمه أثناء تواجده مع زوجته الجديدة حتى لا يستطيع الأنكار.
فى اليوم التالي
لمتابعة القراءة اضغط على التالي .
و بنفس التوقيت ذهبت لذلك الشارع، رأت التوك توك الخاص به متوقفا أمام أحد البنايات القديمة، اقتربت بحذر حتى لا ينتبه لوجودها، قامت بسؤال رجل مسن يجلس بداخل محل بقالة بجوار المبني عن صاحب التوك توك، فأخبرها بأنه يقطن الشقة المتواجدة بالطابق الأرضى.
دلفت لداخل البناية، وبكل ما بداخلها من غضب، طرقات الباب بكل قوتها، لم تمر ثواني حتى قام زوجها بفتح الباب، أصابه الذهول عندما رأها واقفة أمامه، أرتفع صوتها بالسؤال عن سبب تواجده بتلك الشقة، أمسك يدها وهو يجذبها للداخل، طالبا منها أن تهدأ وسوف يخبرها بكل شئ.
أرتفع صوتها أكثر وهى تطالبه بأن يريها زوجته الثانية وتستفسر منه عن سبب تفضيله له، أخذت تنعته بالخيانة وقلة الأصل بينما تحرك بهدوء وهو مازال صامتا نحو أحد الغرفة الوحيدة المتواجدة بالشقة، دخل إليها وهو تتبعه مسرعة لترى من فضلها عليها.
ما أن دلفت للداخل حتى تفاجأت بشدة مما وجدته، رأت امرأة
لمتابعة القراءة اضغط على التالي .
عجوز أمتلأ وجهها بالتجاعيد مستلقية على فراش قديم، متدثرة بغطاء مهترئ ولجوارها منضدة صغيرة موضوع عليها زجاجه ماء وطبق بداخله بعض الحساء و أخر ممتلئ بالأرز.
أصابتها الدهشة الشديدة مما ترى، سألته بصوت منخفض قائلة:
- من هذه ؟
- بعدما أنتهي من إطعامها سأخبرك بكل شئ.
قالها وهو يجلس على حافة فراش العجوز ويطعمها وهو يتحدث إليها ليعرفها على زوجته التى وقفت تنظر مذهولة لزوجها الذى لم تكن تتوقع أن يمتلك كل الرأفة بداخله، فالبرغم من علمها بطيبة قلبه ولكنها لم تكن تتخيل على الأطلاق أن يصل الأمر لهذا الحد.
رفعت العجوز يديها فى إشارة له بأنها قد شعرت بالشبع، أبتسم لها وحمل الأطباق للمطبخ وعاد حاملا طبق بلاستيكى كبير وقرورة ماء وقطعة صابون، قام بغسل يدي العجوز وأنصرف ليعيد الأغراض لمكانها.
بينما زوجته واقفه على باب الغرفة تنظر لما يفعله غير مصدقة لما تراه يقوم به.
بعدما أنتهى عاد للجلوس بجوار العجوز على الفراش، أمسك بيدها وقبلها بحنان وهو يسألها اذا ما كانت بحاجة لأى شئ، فشكرته بصوت منخفض وهى تخبره بأنها ستخلد للنوم.
خرج للجلوس على الأريكة الوحيدة المتواجدة بالصالة، أشار لزوجته أن تجلس لجواره، ما أن فعلت حتى أخذت تعتذر له بشدة عن ما صدر منها وتطلب منه أن يسامحها، أمسك بيدها وربت عليها بحنان وهو يخبرها بأنه لم يغضب منها على الأطلاق وأن أى شخص بنفس موقفها كان سيفعل مافعلته وأكثر.
طلبت منه أن يخبرها بقصة تلك العجوز، أخبرها إنه ذات يوم أثناء سيره بالتوك توك، رأى العجوز جالسة على الرصيف تبكي بشدة، ولجوارها حقيبة ممتلئة بملابس قديمة، توجه إليها مستفسرا عن سبب بكاءها وجلوسها بهذا المكان، أخبرته بأن صاحب البيت الذى كانت تسكن فيه قام بطردها لعدم تمكنها من دفع الإيجار المتأخر لمدة ثلاثة أشهر، بسبب عدم قدرتها على أستكمال بعض الإجراءات الدورية الخاصة بالمعاش الذى تتقاضاه.
حاول أن يتحدث لصاحب البيت ولكن ذلك الأخير صمم على قراره بطردها، فما كان منه إلا أن ساعدها فى ركوب التوك توك ووضع حقيبتها لجوارها وأخذ يدور باحثا لها عن مكان يأويها حتى استطاع أستئجار تلك الشقة، وإنه يقوم برعايتها بصورة يومية، يعد لها الطعام ويقوم بتنظيف البيت ويحضر لها كل ماتريده.
احتضنته زوجته بقوة وهى تبكي متأثرة مما سمعته، لم يتمالك هو أيضا حبس دموعه التى أنهمرت بغزارة.
عاتبته زوجته برقة عن اخفاء أمرا كهذا عنها، فأخبرها بأن أعظم الأمور وافضلها أجرا هى الخبيئة التى يقوم بها الشخص دون أن يطلع عليها أحدا ابتغاء رضا (الله) عز وجل .
تعليقات
إرسال تعليق